بقلم د.غادة دَاوُدَ
هوية الانسان هي اختياره الشخصي للمجموعة التي يريد ان يكون جزء منها.
ولد الانسان ولَم يكن له اختيار لاسمه او لجنسه او لونه او لبلده أو لدينه او لعائلته او لمستواه الذي ولد فيه..
ويكبر الانسان ويحاول ان يشق طريقه ويجد لنفسه هوية اختارها بنفسه ولَم يختارها احد له..
هي الحرية الوحيدة التي يمتلكها الانسان …
وهنا يتوه الانسان منذ بداية طفولته
هناك من يضل الطريق عندما تتشوه في خياله الصور والتصرفات المختلفة بين عالمين مختلفين عالم الذكورة وعالم الأنوثة … ويساءل نفسه الى من انتمي جنسياً هل انا ولد أم بنت ؟؟؟؟
ثم يتوه في هوية لغته هل اللغة هوية؟؟؟
ثم يتوه في هوية دينه هل الدين هويتي؟؟؟؟
ثم يتوه في هوية جنسيته وهل بلدي هي التي ولدت فيها اما البلد التي أعيش فيها وفِي خيراتها ؟؟؟
ثم يتوه في هويته السياسية … هل إيماني بسياسة حزب او غيره تمثل هويتي؟؟؟؟
ثم يتوه في هوية المجتمع والطبقة … الى اَي طبقة انتمي طبقة الفقراء والبسطاء أم طبقة الأغنياء وماذا لو كنت فقيراً وأصبحت أغنى الأغنياء هل التنقل بين الطبقات تغير هويتي ؟؟؟؟
ويتوه ويتوه بين تيه وتيه لتظهر الأمراض النفسية نتيجة هذه الصراعات النفسية في رحلة بحث الانسان عّن هويته….
ويبقى المغترب في تيه اكبر وارتباك اكبر حيث يعيش في بلاد لا تماثل لون جلده ولا لغته ولا ثقافته ويضل الكثيرين منهم وتزداد الصراعات في التمسك او الرفض لهوية ما وخاصة عندما تصدم هويتك بالمجتمع الذي تعيش فيه…
لم أكن يوماً انتبه لمعنى وقوة هوية عندما كنت ادرس الأمراض النفسية الناتجة عن الضياع بين الهويات ..
لم التفت لها الا عندما طلبت معلمة من ابني وهو عمره ١١ سنة ان يكتب بحث عن الى اَي مجموعة ينتمي وكان العنوان ( Belonging )
وساءلني ابني الى من ننتمي وكان سؤال في غاية الصعوبة بالنسبة لي كأم قبل ان اكون انسانة ..
وبدات اسمع منه ما هي هويته التي يرتضيها لنفسه ؟؟؟؟
ومن هنا بدا اهتمامي ولفت نظري بكلمة هوية!!!!!
هل هي هوية عربية مصرية مسلمة تلتزم بكل ما في هذه الهويات من ثقافات
أم هوية المهاجر النيوزيلندي المتحدث بطلاقة باللغة الانجليزية ويدرس ويحتك في كل مجالات الحياة الغربية على كل الأصعدة…
وبدات رحلة المقاومة للاحتفاظ بهوية واحدة نتعامل من خلالها في كل شيء نفخر بكل ما فيها من محاسن وننبذ كل ما فيها من مضار وسيئات.. ونأخذ من الهوية الاخرى أفضل ما فيها ونحن بكل عزة نحتفظ بهويتنا ولغتنا وديننا ومستوانا العلمي والاخلاقي …
قضية لا يهتم بها كثير من المغتربين ولكن يصطدموا عندما يجدوا هذا الصراع موجود بين طيات كلمات وتصرفات اولادهم وهم لا يعلمون أصل المشكلة…
أهالي تحاول الاندماج في المجتمع الغربي بالاندماج مع المجتمع بهوية غربية متذكرين هويتهم فقط عندما يطلب منهم ابنهم حرية الغرب في ان يكون شاذ جنسياً او لا يُؤْمِن بالزواج كإطار لعلاقة سوية بين رجل وامراة..وقتها يطالبون ابناءهم بالالتزام بهويتهم الأصلية التي تملصوا منها…ولكن هيهات للصغار ان تسمع فلقد تشوهت أنفسهم والاهل في غياب…
او آخرون متمسكون بهويتهم الأصلية ومطالبين المجتمع الغربي ان ينفذ تلك الهوية على من لا ينتمي لها…
كلها نماذج تدل على الضلال والضياع داخل العقل الباطن الذي يكمن فيه ما لا يتخيله انسان… موطن الداء والدواء…
والمضحك في الامر انك تجد دول المهجر التي يوجد على ارضها انواع شتى من الجاليات والثقافات المختلفة تطالب تلك الجاليات ان تحتفظ وتتمسك بهويتهم وبتساعد وتدفع مبالغ لتساعد كل من أراد الاحتفاظ بهويته ان يحتفظ بها..
عالم يثير الضحك والاشمئزاز في وقت واحد…